اللغة الام بقلم الشاعرة وفاء داري

 تواصلتْ اللغةُ الأمُ


 للمعايدةِ في ذكرى يوم ميلادها، مبتسمة وتكسو ملامحها علامات الدهشة، رغم فرحتها حين علمت أن ذكرى ميلاد صاحبة النص الأدبي يصادف يومها العالمي، ١٨ ديسمبر، فتساءلتْ متعجبة، وهي تحاولُ اخفاءَ أساريرِها المبتهجة، ما هذه الصدفة الجميلة؟ هل أحبتني لدرجة أن القدر شاء لها أن تشاركني ميلادًا وذكرى؟ أم ولدت في هذا التاريخ ليتناسب مع شغفها لآداب اللغة العربية، فأنا أعلم عشقها رغم امتعاظها من حفيداتي( النحو والصرف )، فكم وقفتُ أصلحُ بينهما، ولا أعلم سر تلك المشادات، تبدع وتتألق، رغم عشقها للبحث والنثر إلا إنها تحتاج جيشًا خلفها لينقح، ولازالت أحيانًا تخفق في تشكيل أواخر الحرف، ورغم ذلك يشفع لها جمال سردها وأناقة ردها، يدهشني تفوقها الأدبي، فهي تبدع تحت أي ظرف، وتمتهن وبحرفية كتابة النصوص المدهشة. ولا أخفي عليكم، أكاد الآن أقرأ أفكارها، فقد تهيأت لتعايدني مثل كل عام بخاطرة، لتغازل فيها أبجديّتي وتمشط بها سبائلي من البلاغة والفصاحة، وتزينها بنثر ورد الخاطرة النثرية الحداثية. فأناملها تخترق شرايين الحروف بيد ناعمة، تتقن تلك الأنامل فن تمشق الكلمات على السطور، وتعزف بها موسيقى احترافية، ولكني سأسبقها في الهدية، وسأهديها هذا العام خاطرة وأمنية، أن تبقى بنيتي للوطن وصوت الاخر وللغة العربية وفية.


صدى 

أمسكتْ لجام الحروف

امتطتْ صهوةَ السطر 

فتعالى صهيلُ الكلمات


توسما بالأجر لا بالمعروف

أملًا بالمواساة والجبر 

وما ظننتُ للسرد صرخات


تلمستْ الأوجاع والصدوع

سافرَتْ بالقلم دون جواز سفر

حتى لا تُكتَم الأصوات 


سمعتْ لوعات ارتداد الصدى المكبوت

ودمع المآقي وآهات الصدور

مضتْ بدرب الآلام رغم طول المسافات


ارتدتْ ظلها بأطياف الفصول

تلفحت حرف الجندر وشاحا

عايشتْ ألم المخاضات


ومشاعر المحب والمخذول

العانس والعقيم، الفرح والقهر 

استشعرت حنين ولهفة الأمهات 


وتلك الحبيبة والمعشوقة

 وغربة الوطن .. الفقر والفقد

معاناة الزوج.. والزوجات


فجعل القلم صاحبة النص الأدبي 

تبحث عن نفسها بين عَجز وصدر

تاهت معالمها بين الكتابات


ليست حزينة وليست بمسرورة

خرجت دون هزيمة أو نصر 

تقمّصتها من نجواهم التناقضات 


تكتب للغريب والمجهولة

 لتنصح العابرين تحت ظل سردها..

 "لا تظن الوقت للتغيير فات"


صوت لعله يغير نهج مظلومة

أو يبزغ في ظلمات أحدهم فجر 

أو تجتاز إحداهن به رهبه الصعوبات


أو لعلَّ النص يربت على كتف مكلومة

دونَ انتظار شُكر

ولا تتحرى غير صدق الدعوات


يا ابنه اللغة العربية 

دام مداد قلمك وجبر الله خاطرك

لتبقين شامخة لا تؤمن بلجام المُسلَّمات


تأملت الأخرى المحادثة، وارتسمت على محياها ابتسامة، وتساءلت، كيف لتلك اللغة العريقة أن تقرأ أفكارها؟ كيف لها أن تكشف ما في بالها وما يرسمه خيالها؟ أمسكتْ القلمَ واخذتْ تخطُ قائلةً: في اليوم العالمي للغة العربية … ونقش الأبجدية: 


لغتي .. جميلةٌ أنتِ حينما تتألق حروفكِ، وتتمايل مزهوةً بجمالِها على سجادةِ مطلعِ السرد، حينما تمتشقين بكل جمالياتكِ.. وتلتحفين السطور بوشاح بلاغتك، ونحن المحبون كلما تعمقنا فيكِ ازددنا تعلقا، وانتابتنا النشوة. فحينما نقرأكِ …نقرأكِ بكل وقار، وحينما نكتبكِ .. نكتبكِ ونحن في قمة الإفتخار. وجبتْ لكِ السطوة والأثر، لنخطّ فِيكِ الشعر والنثر. السطر متيم بكِ وأنتِ العشيقة.. جميلةٌ أنتِ كرائحة المدن العتيقة. يزداد جمالكِ بالتكثيف والمَجاز.. بالإستعارة والطباق.. يا واسعة التأثير. تاجكِ الفصاحة.. يا بالغة التأويل. مهما بعدنا.. نعودُ أكثر شغفًا لأقلامنا لنخط عشقكِ من محابر الحنين. نمتطي صهوة القلم الأصيل.. ملتثمين ببيت القصيد. وحدكِ أنتِ المتمردة وتختلفين عن كل اللغات. وحدكِ أنتِ المتفردة لا سواكِ بالضادِ يزين الكلمات. وحدكِ أنتِ المتسيدة..لا مثيل لكِ في السكون والحركات.تبوأتِ القلب وسيطرتِ على النبضات.. فكنتِ أعلى مقامًا بين كل اللغات. تاريخ من نسل مجدٍ وعراقة، متيمةٌ الكلمات بكِ حتى الثمالة. يا عجزًا وقلوبنا صدره.. يا عشقًا عجزنا عن صده.. أنيقة حين تقعين على السمع. رائعة في الإفراد والتثنية والجمع… والأروع أنكِ تفردتِ بلغةِ أهلِ الجنة في لوحٍ محفوظ من فوق السموات السبع.

وفاء داري/ فلسطين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللغة العربية بقلم الشاعرة نجلاء البنداري

لغة الضاد بقلم أ .ليلي ديوب

همسات بضياء القمر بقلم ياسر الشابوري